فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال مرقس: وأما الكتبة الذين أتوا من يروشليم فقالا: إن بعل زبول معه، وباركون الشياطين يخرج الشياطين؛ فدعاهم وقال لهم: كيف يقدر شيطان أن يخرج شيطانًا! وكل مملكة تنقسم لا تثبت تلك المملكة، فإذا اختلف أهل البيت لا يثبت ذلك البيت، وإن كان الشيطان الذي يقاوم بقيته وينقسم فلن يقدر أن يثبت، لكن له انقضاء، لا يقدر أحد أن يدخل بيت القوي وينتهب بيته إلا أن يربطه أولًا وينتهب متاعه الحق أقول لكم! إن كل شيء يغفر لبني الناس من الخطايا والتجديف الذي يجدفونه، والمجدفين على روح القدس ليس يغفر لهم إلى لأبد، بل يحل بهم العقاب الدائم، لأنهم يقولون: إن معه روحًا نجسًا.
قال متى: من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرق، من أجل هذا أقول لكم: إن كل خطيئة وتجديف يترك للناس، والتجديف على روح القدس لا يترك، ومن يقل كلمة على ابن الإنسان يترك له، والذي يقول على روح القدس لا يترك له في هذا الدهر ولا في الآتي، إما أن تصيروا الشجرة الجيدة وثمرتها جيدة، وإما أن تصيروا الشجرة الرديئة وثمرتها رديئة، لأن من الثمرة تعرف الشجرة، يا أولاد الأفاعي! كيف تقدرون أن تتكلموا بالصلاح وأنتم أشرار! إنما يتكلم الفم من فضل ما في القلب، الرجل الصالح من كنزه الصالح يخرج الصلاح، والرجل الشرير من كنزه الشرير يخرج الشر، أقول لكم: إن كل كلمة يتكلم بها الناس بطالة يعطون عنها جوابًا في يوم الدين، لأنك من كلامك تبرّر، ومن كلامك يحكم عليك.
وفي إنجيل لوقا: وفيما هو يتكلم إذا رفعت امرأة من الجمع صوتها وقالت: طوبى لبطن التي حملتك، ولثدي التي أرضعتك، فقال لها: مهلًا! طوبى لمن يسمع كلام الله ويحفظه- انتهى.
حينئذ أجابه قوم من الكتبة والفريسين قائلين: نريد يا معلم أن ترينا آية أجابهم وقال لهم: الجيل الشرير الفاسق يطلب آية فلا يعطي آية إلا آية يونان النبي؛ قال لوقا: فكما كان في يونان آية لأهل نينوى، كذلك يكون ابن الإنسان لهذا الجيل آية- انتهى.
رجال نينوى يقومون في الحكم ويحاكمون هذا الجيل، لأنهم تابوا بكريزة يونان- وقال لوقا: بإنذار يونان- وهاهنا أفضل من يونان ملكة التيمن تقوم في الحكم مع هذا الجيل وتحاكمه، لأنها أتت من أقصى الأرض لتسمع من حكمة سليمان، وههنا أفضل من سليمان، إن الروح النجس إذا خرج من الإنسان يأتي أمكنة ليس فيها ماء، يطلب راحة فلا يجد، فيقول حينئذ: أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه، فيأتي فيجد المكان فارغًا مكنوسًا مزينًا، فيذهب حينئذ ويأخذ معه سبعة أرواح أخر شرًا منه ويأتي ويسكن هناك، فتصير آخرة ذلك الإنسان شرًا من أوليته، وهكذا يكون لهذا الجيل الشرير- انتهى.
والتجديف هو الكفر بالنعم، ويونان: يونس عليه السلام، والكريزة- بينها لوقا بأنها الإنذار، والتيمن: اليمن، والأركون- بضم الهمزة والكاف بينهما راء مهملة ساكنة: الكبير، ويروشليم- بفتح التحتانية وضم المهملة ثم شين معجمة: بيت المقدس، وباعل زبول- لا تصح أصلًا، وأما الدليل على عدم شركة كل من عيسى وأمه عليهما السلام بخصوصهما فسيأتي تقريره بقوله تعالى: {كانا يأكلان الطعام} [المائدة: 75] والمراد من ذلك كله أنه متى دخلت الشركة أتى النقص فعلًا أو إمكانًا، ومن اعترته شائبة نقص لم يصح كونه إلهًا.
ولما أخبر أنهم كفروا، وأشار إلى نقض قولهم، كان أنسب الأشياء بعده أن يعطف عليه ترهيبهم ثم ترغيبهم فقال تعالى: {وإن لم ينتهوا} أي الكفرة بجميع أصنافهم {عما يقولون} أي من هاتين المقالتين وما داناهما {ليمسن} أي مباشرة من غير حائل {الذين كفروا} أي داموا على الكفر، وبشر سبحانه بأنه يتوب على بعضهم بقوله: {منهم عذاب أليم}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ثلاثة} كسرت بالإضافة، ولا يجوز نصبها لأن معناه: واحد ثلاثة.
أما إذا قلت: رابع ثلاثة فههنا يجوز الجر والنصب، لأن معناه الذي صير الثلاثة أربعة بكونه فيهم. اهـ.
قال الفخر:
في تفسير قول النصارى {ثالث ثلاثة} طريقان: الأول: قول بعض المفسرين، وهو أنهم أرادوا بذلك أن الله ومريم وعيسى آلهة ثلاثة، والذي يؤكد ذلك قوله تعالى للمسيح: {أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله} [المائدة: 116] فقوله: {ثالث ثلاثة} أي أحد ثلاثة آلهة، أو واحد من ثلاثة آلهة، والدليل على أن المراد ذلك قوله تعالى في الرد عليهم: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله واحد} وعلى هذا التقدير ففي الآية إضمار، إلا أنه حذف ذكر الآلهة لأن ذلك معلوم من مذاهبهم، قال الواحدي ولا يكفر من يقول: إن الله ثالث ثلاثة إذا لم يرد به ثالث ثلاثة آلهة، فإنه ما من شيئين إلا والله ثالثهما بالعلم، لقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نجوى ثلاثة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7].
والطريق الثاني: أن المتكلمين حكوا عن النصارى أنهم يقولون: جوهر واحد، ثلاثة أقانيم أب، وابن، وروح القدس، وهذه الثلاثة إله واحد، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة، وعنوا بالأب الذات، وبالابن الكلمة، وبالروح الحياة، وأثبتوا الذات والكلمة والحياة، وقالوا: إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر، واختلاط الماء باللبن، وزعموا أن الأب إلهة، والابن إله، والروح إله، والكل إله واحد.
واعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل، فإن الثلاثة لا تكون واحدًا، والواحد لا يكون ثلاثة، ولا يرى في الدنيا مقالة أشد فسادًا وأظهر بطلانًا من مقالة النصارى.
ثم قال تعالى: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله واحد} في {مِنْ} قولان: أحدهما: أنها صلة زائدة والتقدير: وما إله إلا إله واحد، والثاني: أنها تفيد معنى الاستغراق، والتقدير: وما في الوجود من هذه الحقيقة إلا فرد واحد.
ثم قال تعالى: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال الزجاج: معناه: ليمسن الذين أقاموا على هذا الدين؛ لأن كثيرًا منهم تابوا عن النصرانية. اهـ.

.قال السمرقندي:

{لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله ثالث ثلاثة} فيه مضمر معناه: ثالث ثلاثة آلهة، ويقال: ثلث من ثلاثة آلهة، يعني: أبًا وأمًا وروحًا قدسًا، يعني: الله ومريم وعيسى.
قال الله تعالى ردًّا عليهم: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله واحد} يعني: هم كاذبون في مقالتهم، ثم أوعدهم الوعيد إن لم يتوبوا فقال: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ} يعني: إن لم يتوبوا، ولم يرجعوا عن مقالتهم، {لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} فهذا لام القسم، فكأنه أقسم بأنه ليصيبهم {عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني: إن أقاموا على كفرهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}.
هذه الآية إخبار مؤكد كالذي قبله، وهو عن هذه الفرقة الناطقة بالتثليت وهي فيما يقال الملكية وهم فرق منهم النسطورية وغيرهم، ولا معنى لذكر أقوالهم في كتاب تفسير، إنما الحق أنهم على اختلاف أحوالهم كفار من حيث جعلوا في الألوهية عددًا ومن حيث جعلوا لعيسى عليه السلام حكمًا إلهيًا، وقوله تعالى: {ثالث ثلاثة} لا يجوز فيه إلا الإضافة وخفض {ثلاثةٍ} لأن المعنى أحد ثلاثة فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جازلك أن تضيف كما تقدم وجاز أن لا تضيف وتنصب ثلاثة على معنى زيد يربع ثلاثة، وقوله تعالى: {وما من إله إلا إله واحد} خبر صادع بالحق، وهوالخالق المبتدع المتصف بالصفات العلى تعالى عما يقول المبطلون، ثم توعد تبارك وتعالى هؤلاء القائلين هذه العظيمة بمس العذاب، وذلك وعيد بعذاب الدنيا من القتل والسبي وبعذاب الآخرة بعد لا يفلت منه أحد منهم.
ثم رفق جل وعلا بهم بتحضيضه إياهم على التوبة وطلب المغفرة، ثم وصف نفسه بالغفران والرحمة استجلابًا للتائبين وتأنيسًا لهم ليكونوا على ثقة من الانتفاع بتوبتهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}.
أي أحد ثلاثة.
ولا يجوز فيه التنوين؛ عن الزجاج وغيره.
وفيه للعرب مذهب آخر؛ يقولون: رابع ثلاثة؛ فعلى هذا يجوز الجر والنصب؛ لأن معناه الذي صير الثلاثة أربعة بكونه منهم.
وكذلك إذا قلت: ثالث اثنين؛ جاز التنوين.
وهذا قول فرق النصارى من المَلْكِية والنُّسْطُورِيّة واليعقوبية؛ لأنهم يقولون أب وابن وروح القدس إله واحد؛ ولا يقولون ثلاثة آلهة وهو معنى مذهبهم، وإنما يمتنعون من العبارة وهي لازمة لهم.
وما كان هكذا صح أن يحكى بالعبارة اللازمة؛ وذلك أنهم يقولون: إن الابن إله والأب إله وروح القدس إله.
وقد تقدّم القول في هذا في «النساء» فأكفرهم الله بقولهم هذا، وقال: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله وَاحِدٌ} أي أنّ الإله لا يتعدد وهم يلزمهم القول بثلاثة آلهة كما تقدم، وإن لم يصرحوا بذلك لفظًا؛ وقد مضى في «البقرة» معنى الواحد.
و«مِن» زائدة.
ويجوز في غير القرآن «إلهًا واحدًا» على الإستثناء.
وأجاز الكسائي الخفض على البدل.
قوله تعالى: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ} أي يكفّوا عن القول بالتثليث ليمسنهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة.
{أَفَلاَ يَتُوبُونَ} تقرير وتوبيخ، أي فليتوبوا إليه وليسألوه ستر ذنوبهم؛ والمراد الكفرة منهم.
وإنما خص الكفرة بالذكر لأنهم القائلون بذلك دون المؤمنين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} هؤلاء هم الملكية من النصارى القائلون بالتثليث.
وظاهر قوله: ثالث ثلاثة، أحد آلهة ثلاثة.
قال المفسرون: أرادوا بذلك أن الله تعالى وعيسى وأمه آلهة ثلاثة، ويؤكده {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} {ما اتخذ صاحبة ولا ولدًا} {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله} وحكى المتكلمون عن النصارى أنهم يقولون: جوهر واحد ثلاثة أقانيم: أب، وابن، وروح قدس.
وهذه الثلاثة إله واحد، كما أن الشمس تتناول القرص والشعاع والحرارة، وعنوا بالأب الذات، وبالابن الكلمة، وبالروح الحياة.
وأثبتوا الذات والكلمة والحياة وقالوا: إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالحمر، أو اختلاط اللبن بالماء، وزعموا أن الأب إله، والابن إله، والروح إله، والكل إله واحد.
وهذا معلوم البطلان ببديهة العقل أن الثلاثة لا تكون واحدًا، وأن الواحد لا يكون ثلاثة، ولا يجوز في العربية في ثالث ثلاثة إلا الإضافة، لأنك لا تقول ثلثت الثلاثة.
وأجاز النصب في الذي يلي اسم الفاعل الموافق له في اللفظ أحمد بن يحيى ثعلب، وردّوه عليه جعلوه كاسم الفاعل مع العدد المخالف نحو: رابع ثلاثة، وليس مثله إذ تقول: ربعت الثلاثة أي صيرتهم بك أربعة.
{وما من إله إلا إله واحد} معناه لا يكون إله في الوجود إلا متصفًا بالوحدانية، وأكد ذلك بزيادة من الاستغراقية وحصر إلهيته في صفة الوحدانية.